تابعنا على الفيس بوك

حديث ذو شجون (عن الثورات العربية) سيدي محمد بن الصغير / كاتب كنكوصي مقيم بالكويت



قبل ثلاث سنوات تقريبا حيث لم تكن في سماء العالم العربي قَزَعةٌ لثورة أو ربيع جمعتني الأقدار الحلوة ضمن مجلس كريم بأحد كبار المشرَّدين من قادة الفكر وأعلام السياسة في عالمنا الإسلامي ، وقد جاء من أقصى بلاد الله خائفا يترقب ؛ فاسمه وأسماء كثير من إخوانه وطلابه بأيدي الشرطة الدولية وعند منافذ دخول العديد من الدول العربية ، ولم يكن – بالطبع – يسافر على جواز بلده ، بل بوثيقة للأمم المتحدة ، وكنت شاهدا على لحظة وصوله لمطار إحدى الدول العربية للمشاركة في مؤتمر للمفكرين الإسلاميين بحكم علاقتي الوظيفية حينها بالجهة المنظمة للمؤتمر.

السياسي المحدَّث

وكنت سمعت فيما سبق وقبل هذا اللقاء بسنوات أن الرجل لطول المعاناة التي مرت به بدأ يساوره اليأس ويدب إلى نفسه الإحباط وأصبحت لديه أطروحات تستبطن ذالك الشعور ، ولكن ما أن انتظم الجمع المبارك الذي كان يتحدث إليه الرجل وبدأ الشيخ (المفكر) يتوغل في حديثه العميق الآسر حتى شعرت بأن غمة تنكشف عن عيني ، ومستقبلا مشرقا يتراءى أمامي خلف سُجُف الواقع الداكنة . لم يكن ما سمعته من هذا الشيخ حديث واعظ – ونعم حديث الوعاظ – وإنما كان معلومات واستنتاجات تسندها الإحصاءات ويزكيها منطق التحليل الموزون . خرجت من المجلس وأنا مقتنع أكثر من أي وقت مضى بأن نهاية أحكام الاستبداد في العالم العربي أصبحت وشيكة وبأن لا بديل عنها إلا العاملون للإسلام ، وبأن الذين يخوفون الناس من " الفيتو " الغربي على صعود الإسلاميين واهمون ؛ فليس بمقدور الغرب أن يقف أمام خيار الشعوب التي لن يستطيع تمثيلها ولن تقدم في الفترة القادمة غير الإسلاميين.

ولكم سعدت وأنا أسمع هذا الشيخ وهو رمز العمل الإسلامي في إحدى أسوإ دول القمع العربي التي لم يعد أكثر الناس – حينها- يعرفون من الناطقين فيها باسم الدعوة والحركة الإسلامية غيره ، وهو يعيش في منفى غربي ناء تطارده ثلاثة أحكام بالسجن مدى الحياة ، وتوصد دونه أبواب العديد من دول العالم العربي والغربي.

لقد سعدت كثيرا بما سمعته منه من طمأنة على العمل الإسلامي في بلده وهو يبشر بعودة الناس إلى الخير والالتزام ، وأن نظام السوء في بلده العريق لم يستطع سلخ الناس عن دينهم رغم كل الجهود . وأكثر ما سرني من ذالك ما قاله من أن الحركة الإسلامية في بلده تعمل في الداخل ومنه تدار وقيادتها الفعلية هناك.

وهكذا تمر الأيام سراعا ، وفي أقل من سنتين بعد هذا اللقاء تحدث ثورة كبرى تطيح برأس الفساد وأيقونة السوء في العالم العربي " زين العابدين بن علي " وتنداح رياح التغيير العاصفة لتذرو أحلام " مبارك " في التوريث ، وتكشف للعالم ما كان " ينتوي".

ويستمر الزلزال المحبوب ، ويبدأ الربيع العربي مؤذنا بفجر الإسلاميين ، ويعود لحديث الشيخ – الذي كنت أتحدث عنه - ألقه في النفس وتأثيره في الضمير . أقول : إن كان في السياسيين ولي أو محدث – ولم لا ؟- فأرجو أن يكون الشيخ راشد الغنوشي . ولا أضيق بعدها واسعا!.

والمحدَّث الآخر

ربما اضطرنا السياق إلى حيز ضيق في التعبير ولكن لا بأس ؛ فالمحدَّثون ليسوا كلهم أولياء والأولياء ليسوا كلهم محدثين!.

هناك محدَّث آخر مشهور كان كأنما ينظر إلى الغيب السياسي من ستر رقيق ، وبالمناسبة هو حاكم مستبد (وفرعون) ، بل هو الرئيس مبارك بدون كبير تشويق ! ؛ فقد كان كلما عوتب من قبل أصدقائه الغربيين على تزييف الانتخابات واللعب بإرادة الشعب في بلده أجابهم إجابة مسكتة – لهم -يبدو أنها قناعته الراسخة " عايزين البلد يمسكوها الإخوان؟!، ولعلها المنقبة السياسية التي تحضرني لمبارك الآن (أذكرها وقد أمرنا أن نذكر محاسن موتانا)؛ فقد كان عارفا بشعبه تماما، ويدرك أنه متى أعطي حرية الاختيار فلن يبغي بالإخوان بديلا، وقد صدقته الأيام.

وها هي الأحداث تتسارع بعد سقوطه ثم محاكمته ليشهد - وهو يودع الدنيا - الإخوان وهم يرثون "موطئ قدميه" بإذن الله.

واليوم وبعد أن بات مؤكدا فوز مرشح الثورة (مرشح الإخوان المسلمين) في مصر رغم كل العراقيل التي وضعت أمامه على نحو ما ضمَّنتُه الأبيات التالية:

برغم جحيم المكر في اليوم والأمس *** ورغم اصطناع الخوف والشك واليأس
وبعد انقلاب الجيش يعبث بالحمى *** يقول لأرض النيل ويحك من مرسي
فقد قررت مصر وصال مسيرها *** وحن إلى مرسي سفينتها الكرسي

فإن ثورات الربيع العربي بإذن الله ستتجاوز مرحلة الاستضعاف، وتجري رياح التغيير بما لا تطيق مقاومته عروش الاستبداد التي ستنتقل إليها – بالإرث - صدمات مبارك كما انتقلت إليها من قبل حمى الخوف من الإسلاميين!.

وسيغدو تتويج الثورة في مصر وقودا من الحماس يفجر طاقات الشباب الثائر في العالم العربي.

والخراج لفلسطين

أي انتصار أو تقدم يحرزه شعب عربي في ثورته يغدو خطوة متقدمة لبقية الشعوب ؛ فإن الثورة العربية قد شَعَبَت صدع الشعوب العربية بعد أن أوهته أيدي الرسميين العرب طوال العقود الماضية.

وهكذا يعيش الثوار في الميادين إحساسا حقيقيا باشتراك المصير وتبادل التأثير.

ولكن قضية الأمة الكبرى وثأرها المقدس في ثغرها السليب وقبلتها المغتصبة هو الغائب الحاضر في ثورات الشعوب . ولا عجب أن يتردد الهتاف من أجل فلسطين في دول الثورات ، وإن تكن الثورات فيها ما تزال تحاول التمكين لأقدامها في الأرض.

فتحرير فلسطين يمر حتما عبر تحرر الأمة التي ستحررها ، وهي منخرطة اليوم في صناعة المرحلة الأولى ، والثانية في الطريق بإذن الله.

وهذه هي نظرة الفلسطينيين أنفسهم للثورات العربية؛ فقد سمعت المجاهد خالد مشعل – حفظه الله - قبل شهر من الآن يقول: "إن الثورات العربية ستشغل الأمة مؤقتا وتصرف الإعلام عن قضية فلسطين ولكن الأمة ستنهض بإذن الله وذالك أكبر ما سيخدم فلسطين".

ونفس المعنى هو ما عبر أخ فلسطيني في مؤتمر رابطة العلماء السلفيين المنعقد
منذ أسابيع في قطر حيث قال: "نقول للثورات العربية أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك".

وكلام القائد المبارك خالد مشعل منسجم تماما مع رؤية حركته المسطَّرة ، حيث لا ترى حماس أن بإمكانها تحرير فلسطين وحدها وإنما بإمكانها شغل الدولة الصهيونية عن مخططاتها التوسعية والتأثير على سياساتها في تهويد فلسطين ، حتى تتعافى الأمة فتستعيد فلسطين وتحررها.

وبالمناسبة فقد قال الرجل في حديثه المشار إليه كلاما في غاية الروعة والتأثير، ضرب فيه المثال في وضوح الرؤية والتوازن والإيمان بالقضية والالتزام بالوفاء خاصة في جزئه المتعلق بالموقف من سوريا، وعلاقة حماس بإيران.

وهو ما لا يتسع المقام لإيراده الآن. وقد أطلت عليكم. وللحديث شجون!.

 

 
ساهم في نشر الموضوع ولك جزيل الشكر !

أضف تعليقك عن طريق الفيسبوك :
المقالات