تابعنا على الفيس بوك

لله ثمّ للتـــــاريخ !........../ المهدي بن احمد طالب





إنّ الأعمار سوانح والذكريات مابين غادٍ ورائح ، والأنفس دول ، والأيام يداولها الله بين الناس .
إنّ مدينة كنكوصة قد حوت أفرادا لابد للتاريخ من تدوينهم على صفحات ذكرياته ، وللأسف لم أجد من اهتم بهذا الجانب من شبابنا ، فقد تُوفي قبل أيام هامة التاريخ ـ كابه ولد باريك ـ ولم أجد من تناول حياته السياسة ولا حتى حياته البسيطة بين الناس ، وغيره كثير من صناع الحضارة والتاريخ منمن أسهم إسهاما واضحا في تاريخ أجدادنا ، ومن العقوق أن يبني لنا أجدادنا مجدا ولا نُدونه على صفحات التاريخ ثمّ على قلوبنا .
ليست هذه الأحرف مقالا بقدر ما هي تعبير عن ما في ضميري من ذكريات عجزت مُخيلة ذهني عن احتوائها شهادة لله ثُمّ للتاريخ .
وُلدت الزينة بنت المهدي ولد محمّد ولد أحبلِ ولد مُحي الدين ولد السالك  سنة 1926م في خاي بمالي ، حين كانت قبيلة أهل سيد محمود منقسمة إلى أهل سيد محمود الجنوب يحكمهم المستعمر من مدينة خاي المالية وأهل سيد محمود الشمال يحكمهم المستعمر من دكار في السينغال .
أمّا أمّها فهي : تويةُّ بنت سيتي من قبيلة إدوعيش من بطن أولاد اعل انتوفه .
يجدر بالذكر أن قبيلة أهل سيد محمود أو حلفهم يحوى قبائل شتى ، ومن بين هذه القبائل المنضوية تحت هذا الحلف قبيلة ـ [إدابكْ] وهذه القبيلة لها بطنان هما ـ (إدابك أهل عبد الله )، (وإدابك أهل خيراتْ) ـ علما بأن هذه القبيلة يكثر سكان أفرادها في مدينة ـ رأس الفيل ، أفام لخذيرات ، وعموما في ضواحي مدينة كيفة ـ
ثُمّ لتشعب الأحلاف القبلية كانت القبيلة مُنضوية أيضا في حلف (تِقْدهْ)
يجدر بالذكر أنّ الجد :المهدي ولد مُحي الدين كانت له وقفة مع المستعمر الفرنسي حين استولى يوما بعض من جنوده  على بعض الأفراد بحجة أنهم لم يدفعوا إتاوات (لغرامة ) وكان الجد حينها في رحلة الصيد ( كيْمَارَ) ولمّا سمع بالخبر توجه صوبهم لإنقاذ هؤلاء الأفراد وما إن وصل إليهم حتى أبدى الجنود الفرنسيين اعتذار هم عن فعلهم هذا .
ظلت الأسرة تسكن مع أبناء عمومتها في (أَفَلَّ) متنقلين بين جنباتها الشاسعة ، وما لبثت الأيام أن جاءت فكرة السكن في الحضر فكان الخيار هو مدينة كنكوصة الواقعة في الجنوب الشرقي من موريتانيا ، وكان سكنهم بها قبل استقلال الدولة المركزية .
سكنت الأسرة في وسط المقاطعة رفقة وُجهاء القوم من أمثال محمد الامين ولد الفاظل وعيش أمبارك ومحمد الراظيي ولد اسويدات والليل ولد أسويدات وكابه ولد باريك وإدوعل أهل الحسن وأهل الفابوا ودنمب سنبل وغيركثير هذا على سبيل المثال لا الحصر
بما أنّ والديْ المغفور لها بإذن قد تُوفوا مبكرا وتركا لها إخوة صغار هما : والدي أحمد طالب ولد محُي الدين وزينب بنت مُحي الدين حملت على عاتقها حمل المسؤولية مبكرا وعزمت على الاعتماد على نفسها إذ أنها كانت تُمارس التجارة إلى عهد قريب وبهذه الظروف عزفت عن الزواج خشيت أن تُكدر صفو عيش إخوتها الصغار حيث كانت لهم بمثابة الأب والأم وحاولت سدّ ثغرتهما .
بيدّ أنّ العمّة الزينة بنت محي الدين قد عرفت من خلالها وأخلاقها ما جعلني أتأثر بها تأثيرا بالغا فهي شأنُ الصلاة عندها أمرٌ لا مساومة عليه ، والإساءة على الجيران تجعلنا نبحث عن مكان لنختفي فيه خوفا من عقابها الحنون .
أخذت بيدي يوما وقالت لي تعال بنا إلى مدرس القرآن تَيْرن سوليمان ـ رحمه الله ـ لتقرأ عليه الحروف الأبجدية وكان ذاك سنة 1990م .
وما إن فتحت المدرسة إلا وبادرت بأخذ يدي إلى مدير المدرسة رقم (1) آنذاك ـ محمد محمود ولد البمباري ـ وحين قدمنا إليه كان الطابور مزدحما بالناس فقالت له سيد المدير ابني لابد له من الدراسة وهذا الطابور طويل علي فماذا أصنع ؟ فأجابها بأن تذهب إلى بيتها ولتحتسب ابنها من المُسجلين .
وفي فترة الإجازة المدرسية كانت تحافظ على هذه الفرصة فتذهب بي إلى مُدرس القرآن حينها محمد محمود ولد أحمد نفه ـ رحمه الله ـ ، وكانت تُحاول تغيير الجو الدراسي بالنسبة لي بين مُدرس لآخر حيث ذهبت بي إلى محمد المختار ولد حمّ فزاز وكذالك محمد محمود ولد أميس ـ رحمهم الله ـ
ومن الظريف أنها إذا عرفت من يُدرسني في المدرسة تبحث عنه حتى تكافئه على تدريسي ، بل إنّ زملائي في اللعب كانوا يحظون بشيء من هذا .
إنّ من لا تاريخ له لا يمكنه أن يواجه الآخرين إلا من وراء الستار ، وتاريخ منطقة كنكوصة حافل بالأحداث ، وللأسف يجهله كثير من أبناء المقاطعة فضلا عن غيرهم .
ودراسة علم الأنساب غالبا ما يعرف عن التلقي [والناس مصدقون في أنسابهم ] و[ملعون من نُسب إلى غير أبيه ] فعلى شباب المقاطعة أن يعلموا أن تاريخ هذه البلدة سيبدأ من حيث انتهى مجد آبائهم .
وللأسف الدولة غير مهتمة بهذا الأرشيف الوثائقي الهامّ ، من تاريخ ساكنة الأرض الحدودية وما بذلوه من جهود في محاربة المستعمر الفرنسي الذي كانت ثكناته العسكرية على ضفة بُحيرتها الغنائة .
إنّنا في شباب كنكوصة علينا أن نعي خطر المهمّة الملقاة على عواتقنا بإعتبار أننا عشنا في جيل مادي لا يرحم الآخرين .
وأقول في هذا المقام ماقاله أبو تمام :
   أجلْ أيها الربعُ الذي خفَّ آهِلهْ *** لَقَدْ أَدرَكَتْ فيكَ النَّوَى ما تُحاوِلُه  
   وقَفْتُ وأحشَائي مَنَازلُ للأَسَى ***   بهِ ، وَهْوَ قَفْرٌ قَدْ تَعَفَّتْ مَنازِلُهْ
   أُسَائلُكُمْ مابَالُهُ حَكَمَ البِلَى ***  عليهِ ، وإلا فاتركُوني أـائِلُهْ
  لَقَد أحسَنَ الدَّمْعُ المُحَامَاةَ بَعْدَما *** أَسَاءَ الأسَى إِذْ جَاوَرَ القَلْبَ دَاخِلُهْ
  دعا شوقُهُ يا ناصرَ الشوقِ دعوةً *** فلَبَّاهُ طَلُّ الدَّمْعِ يجْري ووَابِلُه
  بيَوْمٍ تُريكَ المَوْتَ في صُورَةِ النَّوَى*** أَوَاخِرُهُ منْ حَسْرَةٍ وأَوائِتلُهْ
 وقَفْنَا عَلَى جَمْرِ الوَدَاعِ عَشِيَّةً   ***    ولا قلبَ ، إلا وهوَ تغلي مراجلُهْ
 وفي الكلةِ الصفراءِ جؤذرُ رملةٍ *** غدا مستقلاً والفراقُ معادلهْ  
  تيقنتُ أن البينَ أولُ فاتكٍ ***  به مذ رأيتُ الهجرَ وهوَ يغـازلهْ
 يُعَنفُني أنْ ضِقْتُ ذَرْعاً بنَأْيهِ *** ويَجْزَعُ أَن ضاقَتْ عليه خَلاخلُهْ
وأخيرا كل مصيبة بعد محمد عليه السلام تهون ، والله إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن وإنـا على فراقك لمحزونون ، ويا تُرى ذهب الأجداد والآباء فماذا الأبناء فـاعلــون ؟
                       المهدي بن أحمد طالب ولد محي الدين
Didi1983000@hotmail.com

 

 
ساهم في نشر الموضوع ولك جزيل الشكر !

أضف تعليقك عن طريق الفيسبوك :
المقالات