تابعنا على الفيس بوك

جيمها وجيمها وجيمها..! عيون على شنقيط "6" عامر الكبيسي

ما أجتمع ثلاثة إلا وكان رابعهم شيطان كأس الشاي، ولك أن تقلل العدد إلى الواحد، ثم ارفع العدد ما شاء الله لك أن ترفع، فلا ضير وهذا المقال مخصص عن الشاي الموريتاني .

لقد أتى الأصدقاء الثلاثة المشار إليهم في الرقم أعلاه من موريتانيا إلى بغداد، لم أخطئ، نعم من موريتانيا إلى بغداد أو قل موريتانيون إلى بغداد..


وهم محمد المختار الدمين وهو الآن مدير موقع الجزيرة نت والزميل محمد بابا أشفغ وهو مدير مكتب الجزيرة في موريتانيا وحاليا في غرفة أخبارها في الدوحة ، وصديقي الثالث محمد سيدي وهو محرر أخبار مهم في الجزيرة نت، جاؤوا إلى بغداد في مهمة صحفية، وهناك تعرفت على فضيلة السيد الأخضر، منعنعا ومشعشعا ومسخنا .


والسيد الأخضر فيه من الخداع ما فيه، ومن خدعه طقوسه، وتلك لعمري لا يشترك فيها مع الموريتانيين أحد، في الحقيقة إنني أتحدث على الشاي الموريتاني

لكن ثمة مشكلة جوهرية في هذا الباب، كيف لعراقي أن يصف الشاي الموريتاني، إنني في مصيبة، لأنني سأنسف بطبيعة الحال الطقوس والألوان، وأضع لها في الحساب صفرا، فهل أبدأ من الصفر، أم من الوصف.

دعوني وصفري، وستعرفون المشكلة ومحلها، فالشاي العراقي طيبه بثقله وحرارته الزائدة ويا للمشكلة إن نقص الشاي عن حد القدح الصغير من الأعلى "الاستكان" ففي حساباتي وانطلاقا من هذه الثلاثية سأعطي للشاي الموريتاني صفرا .


بدأت القصة مع الشاي في عام 2003 بعد سقوط النظام في بغداد، حين دخلت قوات الاحتلال، في الحقيقة كان الموعد بيننا قرب ساحة الفردوس، هل تعرفونها، كلكم تعرفونها ولا شك، إنها الساحة التي سقط فيها تمثال صدام حسين يوم دخلت قوات الاحتلال الظالمة، كنا نجلس على مقربة منها ونشرب الشاي الموريتاني، وللشاي ما له من تبعات وأحاديث، من نواكشوط إلى بغداد لا ندع شأنا حق لذاك الشاي أن يوصفا في مجلس صاف وذو صفا.


وهنا بدأت اللعبة، كنت أراقب الرياضة الجديدة في يد الأصدقاء الثلاثة، وهي شبيهة بلعبة كرة السلة في قدح من الشاي صغير


ترتفع يد ول أشفغ عاليا أو قل مترا عن فوهة الكأس، وهكذا يودع حبل الشاي المنسدل من العلياء فم الكأس الصغير، يا لها من لعبة


وأنا أنظر أو أنتظر قطرة تسقط ذات اليمين أو ذات الشمال دون الكأس، لكن الرياضي في لعبة الشاي الموريتاني كان راميا لقوس الشاي دقيقا، فلا قطرة سقطت ولا هم يحزنون،


ثم هكذا بقدرة قادر، وعلى كثرة الرماية السهمية في القدح، صار شكل كزبد البحر، وكأن في الأمر حيلة.


هل استبدلوا الشاي بالرغوة، لعمري ذاك الأدنى بالذي هو خير، فأين الشاي من الرغوة وتوابعها، لكن لماذا العجلة، والأمر لم ينته بعد، إنما الحكم ساعة يقدم لك، أو قل ساعة تتذوق، فتقول أحسنتم، أو ربما.. ضيعتم .


قل قدموا لي الشاي أولا، على أنني ضيف عندهم من نسب الشاي، وهم ضيوف عندي بنسبة المكان، لكن الحقيقة أن ما قُـدم لي هو زبدٌ وحسب، ما رأيت غير ذلك، فكيف تراني أشرب الهواء .


قل هكذا صرت مجربا ولأول مرة شايا، أو ما يقال له إنه شاي، وأودعته شفتي مشفقا على نفسي أنني أركن للفراغات .


وكان أن اكتشفت الحيلة، وعلمت فورا أن البركة في القعر، فلا يغرنك يا عامر الزبد فتجاوزه وأشرب الكأس سريعا، فسينسدل على لسانك الشاي الحار أو نصف حار، من حيث لا تشعر.. ها أنه قد خرج إليك، وهكذا تعلمت أن هناك لعبة ثلاثية أولها صَعب وأوسطها جَهد وثالثها سَهل، والصعب صناعة الشاي، والجهد من الطريقة التي يصب بها، فدعوني وثالثتي ، أن اشرب وحسب .


وعلى كل حال لن العب الأولى، لا ولا حتى الثانية، فلا أظن سهامي إن أمسكت قدحا ستصيب.


المشكلة أنني ما زلت أتحدث عن أمر بعيد، وهو مشاهدات الشاي الموريتاني في بغداد، ولم أتكلم عنه في موريتانيا، حيث الشاي كما يقولون أعز موجود وأغلى مفقود وثالث الاثنين... حتى أنني سمعت أن أحد مشاهير موريتانيا -حين سؤل عن عروبة المجتمع وسلوكه-قال الناس في موريتانيا يشربون الشاي

وحتى أكون منكم ومن بينكم، فخذوا عني هذه التي تعرفونها، الجيم والجيم والجيم، نعم هي ما شاهدتموه في عنوان المقال، إنما هي جيمات ثلاثة، جمر، جماعة، جر..

على غير الموريتاني أن يتأكد من أنني ما زلت أكتب باللغة العربية، صدقني إنني ما زلت على ذلك، أما الموريتاني، فإنه سيضحك ويشرح الثلاثة، فأول جيم مأخوذة من الجمر، وعليه سيتأتى لجنابك شاي رائق، استكمل وقته على الجمر ففار، على خلاف الشاي المولود من رحم نار الغاز، الذي يسلق سلقا كما البيضة، الريح ريح الشاي والطعم طعم الأكل.


وثانية الجيمات، هي الجماعة، ومن الغريب أن الجماعة تتحصل بواحد فقط، وكأننا في معرض "إن إبراهيم كان أمة".. فقد يسرح الخيال بشارب الشاي فيكون مع المجموع وهو وحيدا، والجماعة ما فوق الثلاثة، وكلما زاد العدد زادت الجودة في الصنعة، فأنت ومن معك، على أن الطيور على أشكالها تقع، فمن جماعتك في الشاي أعرف من أنت .


وثالثة الأثافي كما قالت العرب "الجر" وهو ابن عم حرف الجر، الذي يأخذ وقت ما بعده فيكسره كسرا، وكذلك جر الوقت يكسره الشاي، وهنا تتمايز الجماعات الجالسة للشاي بعضها مع بعض في تضيع الوقت أو احترامه، أيهم يكفل وقته .


فالحريص على وقته يستقبل مع جماعته الخيرات، بدرس أو ثقافة أو شعر أو هكذا مشروع يبدأ العمل به ساعة يقوم القوم .


والأكثر الغالب في الجر السلبي، وأسياده النساء، الحديث يستطيل بقال وقيل وما يقال، وتضيع الساعات تلو الساعات حتى يحزن الجمر فيذوب .


وللنساء مع الشاي قصة!


فجودة شاي الفتاة علامة فارقة قد تؤهلها للعش الزوجي، إذ طالما كان سببا رئيسيا لاختيار الزوجة.


فانتبهي يا موريتانية .


وبينما الأمر يطول فإن العرف قائم على أن تشرب الشاي دفعات دفعات، وكأقل ما تشرب ثلاثة كؤوس تتخللها فواصل تطول وتطول، وليس الرقم بالكبير، فالقدح صغير، والشاي في قعره فقط، وإنما يأخذ ربع القدح أو نصفه في أحسن الأحوال .


وشاي الموريتانيين حلو فوق العادة، كثير السكر، إلا الأثرياء فيقللون السكر، وهناك من يشربه على مرارته مدعيا الثراء. وتمنيت لو أن كل موريتانيا غنية لتقلل السكر، فاشرب ما أريد في كل بيت ويرحموني من السكر الذي فيه قليل من الشاي، وليس شاي فيه قليل من السكر .


ولا يلسع الشاي الموريتاني اللسان بسخونته، على أن المتذوق سيعرف أنه أشبه بشاي زادت حرارة النار عليه فأحرقته أكثر مما ينبغي عندهم، ولولا الأذواق لبارت السلع .


وأخيرا، مررت سريعا على أحد الدور وما كان عندي من وقت، وكنت أعلم أن الفرض ثلاثة أكواب من الشاي لا تنقص، وعندما قدم صاحب المنزل الشاي في "السرفاية" أو الصينية أو حاملة الأقداح، اسرعت وأخذت ثلاثة من الاقداح ووضعتها في قدح واحد جديد، فزالت الرغوة المخادعة، وصار الكأس ملآنا كأنها عراقي أصيل، فشربت، وذهبت، وأنتظر كأسا آخر يجمعني مع جميع القراء

 

 
ساهم في نشر الموضوع ولك جزيل الشكر !

أضف تعليقك عن طريق الفيسبوك :
الأخبار