تابعنا على الفيس بوك

الوجه الآخر لتصريحات عراب افرانس افريك (روبر بورجي) / الكاتب الصحفي سيدي ولد عبد المالك


فجرت التصريحات الأخيرة للمحامي الفرنسي الشهير ، و عراب تيار فرانس افريك روبر بورجي ، و التي يتهم فيها قادة سياسيين فرنسيين بتلقي أموال من طرف رؤساء افارقة في مواسم انتخابية سابقة جدلا واسعا في الأوساط السياسية و الإعلامية الفرنسية و الإفريقية.

فقد اضحت تصريحات الرجل مادة دسمة للإفتتاحيات و العناويين الرئيسية للمؤسسسات الإعلامية المهمة في فرنسا،كما حملت اتهامته العديد من المعنيين و المشمولين في قائمة الإتهام إلي الخروح الي العلن لإنارة الرأي العام حول ما نسب اليهم من "إساءات"، بل إن البعض قام برفع دعاوي قضائية ضد بورجي كحالة الرئيس السنغالي عبد الله واد .
وبغض النظر عن السياق الذي جائت فيه تصريحات روبرت بورجي، و الأوجه التي يمكن علي تحمل عليها ، وذلك بالنظر إلي سياقها الومني و علاقة بورجي ببعض من لطختهم فضائح التسريبات، فإن ثمة أمورا كانت سبب هذه الإثارة الإعلامية و السياسية لابد من الإشارة إليها.

أولها : أن حديث بورجي يكتسي صبغة ذات أهمية كبري -رغم ما يحوم حوله من الملاحظات –فكلام الرجل لن يعدم الحجة و الدليل ، بحكم مساره الطويل في فرانس افريك و قربه من دوائر صنع القرار في افريقيا و فرنسا ، و خبرته و درايته بالملف الخفي في العلاقات بين فرنسا و القارة السمراء و الذي ظل مهندسا لها طيلة ربع قرن من الزمن.
الثاني: أن الرجل يمتلك مخزونا هائلا من المعلومات الحساسة و المثيرة و الغامضة ، فهو شاهد علي الكثير من الوقائع ، و فاعل في الكثير من هذه الأحداث و الحيثيات ،و يبدوا أن ما كشف عنه لحد الساعة لا يمثل إلا القليل من ارشيف فرانس افريك ، الذي احيط بجدار من السرية التامة لعقود طويلة.و قد قال بورجي ذلك بنفسه في مقابلة له نشرت يوم أمس في مجلة جون آفريك ، حيث أكد أن ما تم كشفه لحد الساعة لا يمثل عشر ما يمتلك من المعلومات.

لكن العديد من المتتبعين للشأن السياسي الفرنسي يرون أن الهدف من فعلة بورجي هو تعرية و فضح بعض الساسة في فرنسا و أفريقيا ، و أن ما قام به بورجي تغذيه في المقام الأول حسابات سياسية و انتخابية مع حضور دوافع الشهرة .
و يفسرون هذه الرؤية في كون بورجي تحاشي في تصريحاته الكشف عما قد يضر بصورته صديقه الحميم الرئيس نيكولا ساركوزي ، مع أنه متهم بلعب ادوار سياسية "قذرة" لصالح ساركوزي ، و اقناعه بتبني نهج فرانس -افريك في السياسة الخارجية الفرنسية كخيار أنجع.

بل يقال أن بورجي هو من أجهض توجهات الرئيس الفرنسي المعادية لفرانس افريك ،لأن ساركوزي بدأحملته الانتخابية رافعا شعار القطيعة مع ممارسات فرنسا غير لائقة مع افريقيا،و متعهدا بوضع سياسة إصلاحية للسياسة الخارجية لبلاده تجاه افريقيا .وقد حاول ساركوزي تجاوز عتبة الدعاية الانتخابية لتجسيد وعده بتحقيق شراكة مع افريقيا قوامها سياسة تنموية طموحة و ذلك بإسناد ملف التعاون مع افريقيا للسيد جان ماري بوكل، الذي يوصف بأنه أحد كبار الساسة الفرنسيين المناهضين لسياسة افرانس –افريك ، والذي سرعان مع دخل في مواجهة قوية مع أقطاب افرانس –افريك بقيادة بورجي و بدعم و مساندة من الرئيس الكونغولي دنيس ساسو انغيسو و صهره الرئيس الغابوني الراحل عمر بونغو، لتنهي المواجهة بتنحية بوكل من منصبه .

وقد كشفت تسريبات ويكيليكيس أن بورغي قام بتشجيع التوريث و الإنقلابات العسكرية الأخيرة التي جرت في بعض المستعمرات الفرنسية في افريقيا، و تحدثت وثائق ويكلكس- علي سبيل المثال لا الحصر – عن الجهود التي قام بها بورجي لترتيب لقاء سري بين الجنرال محمد ولد عبد العزيز أيام انقلابه و السكرتير العام للإليزيه آلان جونديه بهدف تغيير أو تخفيف الموقف الفرنسي من قادة الإنقلاب و داعميه.

ذات التسريبات أكدت ايضا اتهامات سابقة للمعارضة الغابونية للأليزيه بمباركة توريث الرئيس الحالي عالي بن بونغو، و ذلك من خلال المجاهرة العلنية لسمسار أفرانس أفريك روبر بورجي في دعم علي بن بونغو إبان الحملة الإنتخابية.

و يمكن إجمال خلفية التصريحات في قضيتين رأسيتين.

أ- الولاء لساركوزي: تربط بورجي علاقات قوية بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركزوي ، و قد تعززت هذه العلاقات بوصول ساركزوي الي السلطة في انتخابات 2007 ، حيث جعل الأخير من الأول الشخصية الأولي التي يعتمد عليها في السياسية الخارجية للإليزيه بشأن القارة السمراء.

تصريحات بورجي تشكل بداية دعائية انتخابية رخيصة لصالح الرئيس ساركوزي،كما تأتي لتساير خطة التحييد السياسي التي يعتمدها ساركوزي مع غرائمه السياسين في اليمين الفرنسي عموما ، و داخل حزب الإتحاد من أجل الحركة الشعبية خصوصا. فمع تراجع شعبية ساركوزي في استطلاعات الرأي الأخيرة ، و هزيمة حزبه في نتائج إنتخابات المجالس الجهوية أمام الحزب الإشتراكي المعارض، و خروج قيادات محورية من عباءة الحزب الحاكم كحالة الوزير السابق ، و الزعيم الحالي للحزب الراديكالي جان لوي بورلو،تأتي تسريبات بورجي لتضفي مسحة تلميعية علي الرئيس نيكولا ساركزوي و إظهاره كملاك سياسي نجح في تجنب الوقوع في فخاخ رشاوي القادة السود التي تنتعش مع مواسم الإنتخابات الرئاسية في فرنسا.

فلا يخفي علي أحد مهتم بتجاذبات المشهد السياسي الفرنسي ، و ملم بأدني ابجديات تجادبات الخارطة السياسية هناك، أن استهداف بورجي للوزير الأول السابق دومنيك ديفلبين ، الذي كان المنافس الأول لساركوزي داخل الحزب الحاكم، هو استهداف بقصد إنهاء مشوار ديفلبين السياسي بعد أن فشلت تهم الفساد المالي المنسوبة إليه في قضية كليرستريم في زعزعزة صورته لدي انصاره ، و ان كانت قد تمكنت من تغيبه عن المسرح السياسي لفترة. فمعروف أن موقف ديفلبين -الذي لازال يتمتع بمتعاطفين داخل الحزب الحاكم -في الإنتخابات الرئاسية للعام المقبل لن يكون موقفا في صالح ساركزوي، ولذا تتم محاربته حتي لا يؤثر علي بعض الناخبين المفترضين للساركوزي.
و في ذات السياق يأتي ايضا اتهام بورجي لجان ماري لبين الرئيس السابق لحزب الجبهة الشعبية بتلقي أمول من رؤساء أفارقة لتمويل حملاته الإنتخابية،فقد جرت العادة في أروبا أن تتغذي أحزاب اليمين المتطرف في المواسم الإنتخابية بانصار اليمين عموما ،و مخافة من الصعود المفاجئ لهذا التيار في فرنسا بعد أن احرز مفاجآت كثيرة في دول اروبية عدة ، يسعي بورجي من خلال تصريحاته للإضراربصورة الزعيم الروحي و التاريخي لهذا التيار في فرنسا، و الذي ان كان خارج المعترك السياسي فإن ظله لا يزال قائما علي حزب الجبهة الشعبية الذي تتزعمه ابنته مارين لابين.

ب-سباق الشهرة: تزامنت تصريحات بورجي مع صدور كتاب جمهورية الحقائب للمؤلفه بير بيان ، و يكشف الكتاب خفايا وفساد سياسية الدولة الفرنسية ، سواء في مجالات السياسية الداخلية ، أو في مجال العلاقات الخارجية ، و يحذر الكاتب في نهاية معالجته من تقويض النظام الديمقراطي في فرنسا، و الإنزلاق إلي نموذجي الحكم في روسيا و ايطاليا، حيث تحكم نخب سياسية متهمة بالفساد و الإرتباط بشبكات المافيا.
فبورجي أراد أن يكون له حضوره في دائرة الضوء الإعلامي المسلطة علي الكتاب المثير و مؤلفه ، مستغلا كونه ممن يسمع لكلامهم في هذا المجال.
و مهما يكن الغرض من تصريحات المحامي روبر بروجي ، و ما أحدثت هذه التصريحات من جدل شغل ساحتي الإعلام و السياسية في فرنسا الأسبوع المنصرم ، فإن صدي هذه التصريحات سيشكل زحما كبيرا في لسجال الإنتخابات الرئاسية المقبلة ، حيث يتوقع أن يطغي موضوع أفرانس –آفريك علي ملف العلاقات الخارجية لبرامج المرشحين، كما يتوقع أن تثار نقاشات و حوارات موسعة لمعرفة موقف الساسة الفرنسين من كل المشارب من قضية افرانس-آفريك و المقاربات التي يفترض تقديمها لطي هذه الصفحة غير المشرقة من تاريخ العلاقات الفرنسية-الإفريقية.



 

 
ساهم في نشر الموضوع ولك جزيل الشكر !

أضف تعليقك عن طريق الفيسبوك :
المقالات